03‏/06‏/2011

الجليل

 

سلام على زين القرى والحواضر ومن هاجروا منها ومن لم يهاجرِ
يمر بنا اسم المرج مرج بن عامرٍ فنطرب لاسم المرج مرج بن عامرِ
ونشرد حتى نحسب المرج قصة من القصص المحكية فوق المنابر
ونحسبه أرضا بعيدا منالها تضيق بها ذرعا جمال المسافر
ولو طفلة من عندنا مس شعرها نسيم لمس المرج ظل الضفائر
ونسمع عن بعد فطوبى لسامع على البعد محروم وليس بناظر
وننظر عن بعد فطوبى لناظر على البعد محروم وليس بزائر
وان زار يوما حال دون مبيته بمنزله جيش خبيث العساكر
إذا حاصرت جسم الجليل غزاته فان اسمه قد رد كيد المحاصر
فمن قال بيتي في الجليل ولم يزد فقد قال شعرا وهو ليس بشاعر
 
ويحسبه الناس جغرافيا...
وهو أرضٌ شمالي فلسطين
أعني شمال جنين تماماً
جنوبي لبنان رأساً
جنوبي غرب دمشق مباشرةً
وسط الشام كالطفل في المهد,
أو كالهوى في قلوب الكرام
ولو مد من شرفة فيه حبل غسيل
إلى أي بيت على أي بحر بأي اتجاه
لما مر إلا على قبة أو مقام
كأن الممالك من حوله ريش مروحة,
أو مصلون من حول بيت حرام
لذاك يحرره من حصار الغزاة
دخول الورى في صلاة الجماعة
وتأمينهم في دعاء الإمام,
يحرره كل عيد غناء القداديس تطرب منها الحقول
التي لم تزل في الغمام
هنالك يمشي الدعاء
كمن يعرف الدرب , مشياً عزيزاً
من الأرض حتى السماء
كأن المسافة بينهما مستطاعة
وفي وسط الشام لفظ الجلالة يا سيدي قابل للزراعة
ويزرعه الناس فعلاً,
وتثمر أشجاره كل عام
 
وفي وسط الشام تاريخنا
مثل سجادة من حرير تريث فيها شيوخ الصناعة
ويربطها البائعون بخيط رخيص
وتاريخنا فسحة الشمس في السجن
أو نجمة وقعت , أو براق قنيص
وتاريخنا عرق من يد أو دم في قميص
وتاريخنا ألف عام تحاصرها نصف ساعة
 
ورب سيوف في بيوت الجليل
علاها غبار التقاعد بعد غبار الخيول
فأمست شيوخا يقصون سيرتهم في الهوى والجهاد
يعيدونها فتطمئننا لقطة في الشريط المعاد
إلى إننا سوف نلقى الرشاد
كأن سيوف الشيوخ هنا , رقية أو ضماد
وفي وسط الشام تغدو السيوف رموز الوداعة
وتغدو الطيور رموز العناد
ألست ترى الطير أن طردوه من العش عاد
وفي وسط الشام طير
تفوق في حرفة الهزء من كل سلك حدود
وكاشفة للمعادن أو للنوايا
وفي وسط الشام يعلو المشيب رؤوس الرزايا
ويخشى الزمان نوايا العباد
فيوما تراه بترس ورمح
ويوما على حذر خافيا
ويحسبه الناس جغرافيا
 
ويبنون دون الجليل جدارا
علا فاطمأنوا
وظنوا بأن الهواء على جانبيه انفصل
ولكن يمر الجليل من الجسم للجسم,
مثل الحرارة عند العناق
وينظم مل المشاهد نظما كما يجمع النحو شمل الجمل
وإن الجليل له ألف معنى
ومعنى فلسطين أجمعها في الجليل
هو الأرض تحسب خيالة
فتفاجئ غازيها بشعاب تسيل
وإني أراه وربك في المشهد المتكرر في كل يوم
بزاوية في المنارة أو شارع في الخليل
وفي الطفل يوقف دبابة في الطريق الطويل
وفي خفة اليد تطوي الفطائر تبدي
توتر صاحبها من زمان ثقيل
وفي سائق الأجرة المتخطي الحواجز
مثل الحصان,
ووجه الحصان الأجير يجر حمولا
من الفستق الحلبي
وفي الفستق الحلبي
يلخص مجمل آرائنا في السياسة:
صبرا جميلا يزد الظما
و"الظما" , وهي مقصورة هكذا , لفظة
لا تمت بشيء إلى الظمأ المعجمي
وهي تجمع شمل الظماة إلى الماء
والعدل من كل جيل
 
جليل هو الشيخ في الصورة الأبدية
بيضاء سوداء , من عام نكبة , في المعارض
والندوات , وفي باله,
وهو لم يزل
صابرا كالجمل
إذا يحاول أن يُفهم القائد العسكري:
يا بني
إن أرضا يسير على مائها أهلها
لا تدوم طويلا عليها الدول
 
جليل هو النص ينذر أعدائنا بالزوال
وسوء الوجوه , ويعلمنا أننا
سنجوس خلال الديار ,
وهو الوشم في اليد يُحبط كل محاولة للتناسي,
وكالواجب الأبدي اللحوح
يطالبنا بالأمل
وجليل هو الصوت يمتد بالردة الجبلية , فصحى
تشكلها الريح دارجة فتزيد فصاحتها
وتحملها برذاذ خفيف ورعد خفي
جليل لعمري , مقالي : "لعمري"
وتشديدي "الياء" في لفظة "العربي"
وجليل هو الولد الناصري الذي
يرتقي كل يوم صليبا
فيحمله , لا أحدد من منهما يحمل الآن صاحبه
ويسير إلى القدس مستشهدا حافيا
ويحسبه الناس جغرافيا..
 
كأن الجليل عروض من الشعر
ينظم فوضى الحياة التي في الطرق
كأن الجليل هو الشعر في النثر محتجب
كالخيول التي في السما
كالملائكة النازلين على هيئة الطير يوم القتال
وهو محتجب مثل رعب العدو الحقيقي
ذاك الذي , للأمانة , لست ألوم العدو عليه
إذا ما رأى في الأفق
طائرات الورق
لإدراكه أن كل الخيوط تؤدي
لأيد وأيد وأيدي
وأن الطفولة في الحرب فعل تحدي
وأن تحدي الوحوش يعلمها أنها
من نسيج الخيال
 
ألُّمُ الحروف من الطرقات ,
كما يجمع الأولياء المريدين
أنظمها في سلاسل من عجب
فهي حرف يؤدي لحرف
خيوط من المطر المتتالي,
ترى أثرا منه في كل ركن ورائحة في الهواء
ألُّمُ الحروف التي انتثرت لؤلؤا مثل أهلي
وأحملها مثلما يحمل الماء في الكف
أجهد أن أحفظ الماء حتى ختام القصيدة
يا أيها الناس هذا الوليد الجليل لكم
فتعالوا خذوه انثروه على ذوقكم
كالأرز على أرؤس العائدين
بليلٍ له حصة من هوى واحتفال
سيكثر إخوته في رؤوس الجبال
ويظهر عندئذ صاحبي كافتتاح الغناء
جليلا كفطرته , صافيا
ويعود إلينا جميعا
نشيدا جغرافيا.
 
تــمـيـم البرغوثي
فلسطين
ديوان – في القدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق